للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والردع: الأثر (١). وفي "الموطأ": به مشق أو زعفران (٢). وفيه: الاقتصاد في الكفن، وهذِه وصية منه أن يكفن في ثوب لبيس، وهو جائز في الكفن، ولا خلاف في جواز التكفين في خلق الثياب إذا كانت سالمة من القطع وساترة له، ويحتمل أن يكون أوصى أن يكفن فيه؛ لأنه لبسه في مواطن الحرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحرم فيه، وقد قَالَ ابن حبيب: يستحب مثل هذا؛ للحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى أم عطية حقوه لأجل ابنته (٣). وهذا يقتضي أن وصية الميت معتبرة في كفنه


= وهذا هو الأصل، فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل، ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة، هل فعلها استحبابًا أو لحاجة عارضة؟ تنازعوا فيها، وكذلك نزوله بالمحصب عند الخروج من مني لما اشتبه، هل فعله كان أسمح لخروجه أو لكونه سنة؟ تنازعوا في ذلك.
ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتعريف ابن عباس بالبصرة وعمرو بن حريث بالكوفة، فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرعه لأمته، لم يمكن أن يقال هذا سنة مستحبة، بل غايته أن يقال: هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة، أو مما لا ينكر على فاعله لأنه بما يسوغ فيه الاجتهاد، لا لأنه سنة مستحبة سنها النبي- صلى الله عليه وسلم - لأمته، أو يقال في التعريف: إنه لا بأس به أحيانًا لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة.
وهكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله: تارة يكرهونه، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد، وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة، ولا يقول عالم بالسنة: إن هذِه سنة مشروعة للمسلمين.
فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع، وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره فهو من سننه، ولا يكون في الدين واجبًا إلا ما أوجبه، ولا حرامًا إلا ما حرمه، ولا مستحبًا إلا ما استحبه، ولا مكروهًا إلا ما كرهه، ولا مباحًا إلا ما أباحه. "مجموع الفتاوى" ١/ ٢٨٠ - ٢٨٢.
(١) انظر: "الصحاح" ٣/ ١٢١٨، "لسان العرب" ٣/ ١٦٢٣.
(٢) "الموطأ" ص ١٥٦ (٦) كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في كفن الميت.
(٣) انظر: "النوادر والزيادات" ١/ ٥٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>