للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كما فعل الشارع، وكان حصره بالعدو، واحتج الشافعي فقال: على الناس إتمام الحج والعمرة، ورخص الله تعالى في الإحلال للمحصر بعدو، فقلنا: في كل بأمر الله ولم نعد بالرخصة موضعها كما لم نعد بالرخصة المسح على الخفين، ولم يجعل عمامة ولا قفازين قياسًا على الخفين. وخالف الشافعي مالكًا، فأوجب عليه الهدي، ينحره في المكان الذي حصر فيه، وقد حل، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية، وهو قول أشهب، وقال أبو حنيفة: الهدي واجب عليه ينحره في الحرم. وقد حل كما أسلفناه فيما مضى، واحتجوا في إيجاب الهدي عليه بقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ} الآية [البقرة: ١٩٦] فأجابهم الكوفيون: أن هذا إحصار مرض، ولو كان إحصار عدو لم يكن لهم في نحر أهل الحديبية حجة؛ لأن ما كان معهم من الهدي لم يكونوا ساقوه لما عرض لهم من حصر العدو؛ لأنه - عليه السلام - لم يعلم حين قلده أنه يصد، وإنما ساقه تطوعًا فلما صد أخبر الله عن صدهم وحبسهم الهدي عن بلوغ محله.

وكيف يجوز أن ينوب هدي قد ساقه قبل أن يصد عن دم وجب بالصد، ولم يأمرهم الشارع بهدي؛ لحصرهم، قاله جابر (١)، ولو وجب عليهم الهدي لأمرهم به كما أمرهم بالهدي الذي وجب عليهم، فكيف ينقل الحلق ولا ينقل إيجاب الهدي؟ وهو يحتاج إلى بيان من معه هدي: ما حكمه؟ ومن لا هدي معه، ما حكمه؟ وأما قول أبي حنيفة: ينحره في الحرم بقوله تعالى: {وَالهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥] يدل أن التقصير عن بلوغ المحل سواء كان ذَلِكَ في الحل


(١) "شرح معاني الآثار" ٢/ ١٩٢، وانظر: "المنتقى" ٢/ ٢٧٣، "الأم" ٢/ ١٣٥ - ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>