للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خروجه عن المدينة خروجًا عن الإسلام لقتله حين خرج، وإنما خرج عاصيًا، ورأوا أنه معذور لما نزل به من الوباء، ولعله لم يعلم بفرضية الهجرة، وكان من الذين قال الله فيهم: {وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: ٩٧] فقال فيه: "إن المدينة كالكير".

ولا يرد أن المنافقين قد سكنوها وماتوا فيها ولم تنفعهم؛ لأنها كانت دارهم، ولم يسكنوها اغتباطًا بالإسلام ولا حبًّا لها، وإنما كان لأجل معاشهم، ولم يرد بضرب المثل إلا من عقد على الإسلام راغبًا فيه ثم خبث قلبه، ولم يصح أن أحدًا ممن لم تكن له المدينة دارًا فارتد عن الإسلام ثم اختار السكنى فيها، بل كلهم فر إلى الكفر راجعًا، فبمثل أولئك ضرب المثل، وكان المنافقون الساكنون بالمدينة قد ميزهم الله حتى كأنهم بارزون عنها لما وسمهم به من قوله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: ٧٩] {الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة: ٦١] وبقوله: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ} [محمد: ٣٠] وكانوا معروفين، وأبقاهم لئلا يقول الناس: إن محمدًا يقتل أصحابه (١)، أو ينفيهم، والنفي كالقتل، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: ٨٨] منكرًا عليهم اختلافهم في قتلهم، فعرفهم الله تعالى أنه أركسهم


(١) انظر ما سيأتي برقم (٣٥١٨) كتاب: المناقب، باب: ما ينهى من دعوة الجاهلية، ورواه مسلم (٢٥٨٤/ ٦٣) كتاب: البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، من حديث جابر قال: غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .. الحديث، وفيه: وقال عبد الله بن أُبي ابن سلول: قد تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه".

<<  <  ج: ص:  >  >>