للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بنفاقهم، فلا يكون لهم صنع ولا جمع، ولا يسمع لهم قول مع أنه قد حسم أنهم لا يجاورونه فيها إلا قليلًا، فنفتهم المدينة بعد؛ لخوفهم القتل، قال تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (٦١)} [الأحزاب: ٦١] فلم يأمنوا فخرجوا، فصح إخباره أنها تنفي خبثها لكن ليس ذلك ضربة واحدة بل شيئًا فشيئًا، حتى يخلص أهلها الطيبين الناصعين وقت الحاجة إليهم في العلم؛ لأنهم في حياته مستغنى عنهم به، فلما احتيج إليهم بعده في العلم خلصتهم بركة المدينة، فنفت خبثها.

وقوله: ("كالكير") تمثيل منه وتنظير، ففيه جواز القياس بين الشيئين إذا اشتبها في المعنى، فشبَّه المدينة في نفيها من خبثها من خبث قلبه بالكير الذي ينفي خبث الحديد حتى يصفو.

وقوله: ("وينصع طيبها") هو مثل ضربه للمؤمن المخلص الساكن فيها الصابر على لأوائها وشدتها مع فراق أهله والمال والتزام المخافة من العدو، فلما باع نفسه من الله والتزم هذا الأمر بان صدقه ونصع إيمانه، وقوي اغتباطه بسكنى المدينة، وبقربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما ينصع ريح الطيب فيها ويزيد عبقًا على سائر البلاد، خصوصية خص الله بها بلد رسوله التي اختار تربتها لمباشرة جسده الطيب الطهور.

وقد جاء في الحديث أن المؤمن يقبر في التربة التي خلق منها (١)،


(١) تقدم تخريجه في حديث (١٨٧١) من حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر. وانظر: "الصحيحة" (١٨٥٨). ونضيف هنا أنه روي أيضًا عن ابن مسعود وعبد الله بن سوار وابن عباس موقوفًا.
حديث ابن مسعود رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" ٢/ ٣١٣، ١٣/ ٤٠ - ٤١،
والديلمي كما في "الفردوس" ٤/ ٢٨ - ٢٩ (٦٠٨٨)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" ١/ ١٩٣ (٣١٠) مرفوعًا بلفظ: "ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربته =

<<  <  ج: ص:  >  >>