وهي في مسلم أيضًا (١)، وقيل: في قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة: ١٧] أن عملهم الصيام فيفرغ لهم الجزاء إفراغًا من غير تقدير، فخص الصيام بالتضعيف عَلَى سبعمائة ضعف في هذا الحديث.
وقد نطق الرب جل جلاله بتضعيف النفقة في سبيل الله أيضًا، كتضعيف الصيام فقال:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ}[البقرة: ٢٦١].
وجاء في ثواب الصبر مثل ذَلِكَ وأكثر، فقال تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: ١٠] فيحتمل -والله أعلم- أن هاتين الآيتين نزلتا عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما أعلمه الله تعالى ثواب الصيام؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، والفضائل إنما تدرك من طريق الوحي.
وأما قول من قَالَ: كل عمل تكتبه الحفظة إلا الصيام، فإنما هو نية في القلب، وإمساك عن المطعم والمشرب فلا يكتب، فواهٍ؛ لأن الحفظة تعلم الإمساك عن الأكل والشرب، وهو حقيقة الصيام، وإذا اطلعت على الإمساك عن الأكل في خلوته فقد علمت صيامه، لأنه ليس يرائي أحد الحفظة، ولا ينتفع بالرياء إلا إذا كان في الباطن، فإذا كف عنه باطنًا وتمادى عليه فقد علمت صيامه.
وليس قول من تأول في قوله تعالى:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}[مريم: ٢٦] أنَّ مريم كانت صائمة في ذَلِكَ الوقت بصواب، بدليل قوله تعالى في الآية {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} الآية [مريم: ٢٥]، فأخبر أن ذَلِكَ كان بعد أكلها وشربها.