للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

السادسة: أن البداءة ليست كالنهاية؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أول ما بدئ في نبوته بالمرائي ثم ترقى حتَّى جاءه الملك يقظة، ثمَّ ما زال في الترقي حتَّى كان كقاب قوسين أو أدنى. كذلك الأتباع يترقون في مقام الولايات ما عدا مقام النبوة حتَّى ينتهوا إلى مقام المعرفة والرضا، فمن نال مقامًا فدام عليه بأدبه ترقى إلى ما هو أعلى منه، ويشهد لذلك ما حكي عن بعضهم أنه ما زال في الترقي إلى أن سرى سره من سماء إلى سماء إلى قاب قوسين أو أدنى فنودي: هنا سري بذات محمد السنية حيث سري بسرك (١).


(١) هذا الكلام مردود، وهو من شطحات الصوفية، وما يلبسه الشيطان عليهم، فهم يقولون: إنه ينبغي للمريد أن يختلي بنفسه مدة معينة، كأربعين يومًا مثلما واعد الله موسى -عليه السلام-، ثم بعد ذلك يحصل الخطاب والتنزل، كما يقولون في غار حراء: حصل بعده نزول الوحي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" ١٠/ ٣٩٤ - ٣٩٥: وهذا غلط فإن هذِه ليست شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل شرعت لموسى -عليه السلام- كما شرع له السبت، والمسلمون لا يسبتون، فهذا تمسك بشرع منسوخ، وكذلك تمسك بما كان قبل النبوة.
وقد جرب أن من سلك هذِه العبادات البدعية أتته الشياطين، وحصل له تنزل شيطاني، وخطاب شيطاني، وبعضهم يطير به شيطانه، وأعرف من هؤلاء عددًا طلبوا أن يحصل لهم من جنس ما حصل للأنبياء من التنزيل فنزلت عليهم الشياطين: لأنهم خرجوا عن شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي أمروا بها أهـ.
وقال أيضا في ١٠/ ٣٩٦ - ٣٩٧: وأما ذكر الاسم المفرد فبدعة لم يشرع، وليس هو بكلام يعقل، ولا فيه إيمان، ولهذا صار بعض من يأمر به من المتأخرين يبين أنه ليس قصدنا ذكر الله تعالى، ولكن جمع القلب على شيء معين حتى تستعد النفس لما يرد عليها، فكان يأمر مريده بأن يقول هذا الاسم مرات، فإذا اجتمع قلبه أُلقي عيه حالًا شيطانيًّا فيلبسه الشيطان، ويخيل إليه أنه قد صار في الملأ الأعلى، وأنه أعطي ما لم يعطه محمد - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج ولا موسى -عليه السلام- يوم الطور، وهذا وأشباهه وقع لبعض من كان في زماننا أهـ.