وسائر أصحابه مفطرون، فلو لم يجز الفطر في رمضان لمن سافر فيه ما ترك الشارع أصحابه مفطرين فيه ولا سوغهم ذَلِكَ.
وفيه: وفي حديث ابن عباس الرد على من قال: إن الصيام لا يجزئ
في السفر معللًا بأن الفطر عزيمة من الله وصدقة فإن الشارع فعله، وكذا ابن رواحة، وقصد بذلك أن يسنَّ لأمته ليقتدوا به لمن كان به قوة له.
وقد روي عن ابن عباس: إنما أراد الله بالفطر في السفر التيسير عليكم فمن يسر الله عليه الصيام فليصم ومن يسر عليه الفطر فليفطر (١).
فهذا ابن عباس لم يجعل إفطاره - صلى الله عليه وسلم - في السفر بعد صيامه ناسخًا للصوم في السفر ولكنه جعله على جهة التيسير، بل ظاهر الحديث أن الصوم فيه أفضل، وقد صام وكان يومًا حارًّا كما سلف وتكلف صومه.
فإن قلت: لا يأمن أن يضعف.
قلت: المقيم كذلك، نعم مظنة المشقة في السفر أكثر، ولا يقاس على القصر.
وفيه: ترك بعض العمل وهو يحب أن يعمل به خيفة أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، وهو مخصص لقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[محمد: ٣٣] وقال الداودي: أفطر بعد أن بيَّت الصوم للضرورة، وقيل إنه أصبح ناويًا للفطر، وقال مطرف: للمسافر أن يفطر بعد أن يبيت الصوم، واحتج بهذا الحديث وكله مردود؛ لأنهم ظنوا أن ذَلِكَ في يوم واحد، وهو غلط كما أسلفناه، فبينهما أيام، ووقع ذَلِكَ للمزني؛ فإنه قال: إذا أصبح صائمًا ثم سافر يجوز له
(١) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" ٢/ ٦٦ - ٦٧ كتاب: الصيام، باب: الصيام في السفر، وابن عبد البر في "التمهيد" ٢/ ١٧٢.