للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والرابعة: هم الذين اختلف العلماء فيهم بين القضاء والإطعام، وبكل ذَلِكَ قد جاء به تأويل القرآن، وأفتت به الفقهاء فذهب القاسم وسالم وربيعة ومكحول وأبو ثور إلى أن الشيخ إن استطاع الصوم صام، وإلا فليس عليه شيء؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] إلا أن مالكًا استحب له الإطعام عن كل يوم مدًّا، وحجة هذا القول: أن الله تعالى إنما أوجب الفدية قبل

النسخ على المطيقين دون غيرهم وخيَّرهم فيه بين أن يصوموا بقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ثم نسخ ذَلِكَ وألزمهم الصوم حتمًا وسكت عمن لا يطيق. فلم يذكره في الآية فصار فرض الصيام زائلًا

عنهم كما زال فرض الزكاة والحج عن المعدمين الذين لا يجدون إليه سبيلا (١).

وأبى ذَلِكَ أهل العراق والثوري، وأوجبوا الفدية على الشيخ وقالوا: إن الزكاة والحج لا يشبهان الصيام؛ لأن الكتاب والسنة فرق بينهما وذلك أن الله تعالى جعل من الصوم بدلًا أوجبه على كل من حيل بينه وبين الصيام -وهو الفدية - كما جعل التيمم بدلًا من الطهور واجبًا على من أعوزه الماء، وكما جعل الإيماء بدلًا من الركوع والسجود لمن لا يقدر عليهما، ولم يجعل من الزكاة والحج بدلًا لمن لا يقدر عليهما، وإلى هذا ذهب الكوفيون والأوزاعي والشافعي، وحُكي عن علي وابن عباس وأبي هريرة وأنس وسعيد بن جبير وطاوس وأحمد (٢).


(١) "المدونة" ١/ ١٨٦.
(٢) "المبسوط" ٣/ ٩٩، "البيان" ٣/ ٤٦٦، "المغني" ٤/ ٣٩٥ - ٣٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>