للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلو كان خيار صاحب الطعام يحرم عليه ما جاز له أخذ البقر وراعيها؛ لأن أصلها كان من ذلك الفرق المزروع له بغير علمه، وقد رضي - عليه السلام - ذلك، وأقره وأخبر أنَّ الذي انطبق عليه الغار توسل بذلك إلى ربه، ونجاه به.

فدلَّ هذا الحديث أنه لم يكن أخذ الأجير لذلك لازمًا إلا بعد رضاه بذلك لقوله: "أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ " وإنكاره ما بذل له عوضًا من الفرق؛ ولذلك عظمت المثوبة في هذِه القصة، وظهرت هذِه الآية من أجل تطوع الزارع للفرق بما بذل له، وأنه فعل أكثر مما كان يلزمه في تأدية ما عليه، فشكر الله له ذلك.

وقد اختلف العلماء في الطعام المغصوب يزرعه الغاصب، فذكر ابن المنذر أن قول مالك والكوفيين أن الزرع للغاصب، وعليه مثل الطعام الذي غصب؛ لأن كل من تعدى على كل ما لهُ مثل فليس عليه غير مثل الشيء المتعدى عليه، غير أن الكوفيين قالوا: إن زيادة الطعام حرام على الغاصب لا يحل له وعليه أن يتصدق به.

وقال أبو ثور: كل ما أخرجت الأرض من الحنطة فهي لصاحب الحنطة وسيأتي اختلافهم فيمن تعدى على نقد فَتَجَر به بغير إذن صاحبه في حديث ابن عمر هذا في الإجارة (١) حيث ذكره.

ولنذكر هنا نبذة منه، فقالت طائفة: يطيب له الربح إذا ردَّ رأس المال إلى صاحبه سواء كان غاصبًا للمال أو كان وديعة عنده، متعديًا فيه، هذا قول عطاء ومالك والليث والثوري والأوزاعي وأبي يوسف، واستحب مالك والثوري والأوزاعي تنزهه عنه، ويتصدق به.


(١) "شرح ابن بطال" ٦/ ٣٣٦ - ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>