واختلف في علة منعه إياهم من ذلك، فقيل: لأنه كان مشركًا، ولذلك عطف عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسلم وأعطاه من المغانم ما جبر به صدعه، وقيل: منعهم خشية أن يقع في قلوب بعض المسلمين شيء، كما منع الأنصار أن يبارزوا عتبة وشيبة والوليد وأمر قرناءهم عليًّا وحمزة وعبيدة أن يبارزوهم؛ لئلا يبارزهم الأنصار، فيصابوا فيقع في نفس بعضهم شيء.
وقيل: كان العباس أسر يوم بدر مع قريش ففاداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأراد الأنصار أن يتركوا له فداءه إكرامًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لقرابتهم منه، فلم يأذن لهم في ذلك ولا في أن يحابوه في ذلك، وكان العباس ذا مال فاستوفيت منه الفدية وصرفت مصرفها من حقوق الغانمين.
وفي هذِه القصة في أُسار العباس وعقيل معه دلالة على أن الأخ لا يعتق على أخيه إذا ملكه كما يعتق عليه أصوله وفروعه، وكان لعليٍّ جزء في الغنيمة، فلم يعتق عليه عقيل، كما سلف. والسبي يوجب
الرق في الصغير والكبير.
قال المهلب: أسر العباس وعقيل مع من أسر يوم بدر، فأخذ - عليه السلام - رأي الصديق في استحيائهم وكره استعبادهم وأباح لهم أن يفادوا أنفسهم بالمال من ذلة العبودية، فقطع كل واحد على نفسه بعدد من المال وقطع العباس بفدائه وفداء ابن أخيه عقيل، فأراد الأنصار أن يتركوا فداء العباس؛ إكرامًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان عمومته وللرحم التي بينهم في الخئولة فقال لهم:"لا تَدَعُون منه درهمًا" أراد أن يوهنهم بالغرم ويضعفهم، وسيأتي في الجهاد في باب فداء المشركين (١).