قوم بالأموال، فأجازوا فيها شهادة النساء، وقالوا: ليست بحدود وإنما توجب مهورًا ونفقات النساء.
وأبى ذلك آخرون، ورأوها كلها حدودا؛ لأن بها يكون استحلال الفروج وتحريمها. قال أبو عبيد: وهذا القول يُختار؛ لأن تأويل القرآن يصدقه، ألا تسمع قوله تعالى حين ذكر الطلاق والرجعة فقال:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: ٢] فخص بها الرجال، ولم يجعل للنساء فيها حظًّا كما جعله في الدين، ثم أبين من ذلك أنه سماها حدود الله فقال:{تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}[البقرة: ٢٢٩] فكان هذا أكبر من التأويل، فالأمر عندنا عليه أنه لا تجوز شهادتهن في نكاح ولا طلاق ولا رجعة، وكيف يقبل قولهنَّ في هذِه الحال على غيرهن ولا يملكنها من أنفسهن، ولم يجعل الله إليهن عقد نكاح ولا حله؟! لأن الله تعالى خاطب الرجال في ذلك دونهن في كتابه.
قال أبو عبيد: والعتاق عندنا من ذلك كله لا تجوز فيه شهادتهن؛ لما يدخل فيه من تحريم الفروج وتحليلها.
قال المهلب: وفي حديث الباب دلالة أن الناس يجب أن يتفاضلوا في الشهادة بقدر عقولهم وفهمهم وضبطهم، وأن يكون الرجل الصالح الذي تُعرف منه الغفلة والبلادة يتوقف عن شهادته في الأمور الخفية.
وتقبل شهادة اليقظان الفهم العدل، والتفاضل في شهادتهما على قدر أفهامهما.
وفيه: أن الشاهد إذا نسي الشهادة ثم ذكره بها صاحبه؛ حتى ذكرها أنها جائزة؛ لقوله تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}[البقرة: ٢٨٢] فدخل في ذلك معنى الرجال والنساء.