للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تاسعها: قال ابن بطال: أما قضاؤه - عليه السلام - بكتاب الله وهو رد الغنم والجارية الذين أخذا بالباطل، وقد نهى الله تعالى عباده عن ذلك بقوله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] ولم يجز هذا الصلح لاشتراء حدود الله ببعض عرض الدنيا، وحدود الله لا تسقط، ولا تباع، ولا تشترى، وقام الإجماع على أن الصلح المنعقد على غير السنة لا يجوز، وأنه منتقض ألا ترى أنه ردَّ الغنم والوليدة، وألزم ابنه من الحدِّ ما ألزمه الله تعالى، فقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ" وبذلك كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري في رسالته إليه يعلمه القضاء فقال: والصلح جائز بين المسلمين، إلَّا صلحًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالًا. قلت: ونطق بذلك رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام (١). وذهب مالك وابن القاسم إلى أن الصلح كالبيع لا يجوز فيه المكروه، ولا الغرر.

وذكر ابن حبيب عن مطرف قال: كل ما وقع من الصلح من الأشياء المكروهة التي ليست بحرام صراح فالصلح بها جائز.

وقال ابن الماجشون: إن غرَّ عليهم بحدثانه فسخ، وإن طال أمره مضى.

وقال أصبغ: إن وقع الصلح بالحرام والمكروه مضى. ولم يرد، وإن عسر عليه بحدثان ذلك؛ لأنه كالهبة، ألا ترى أنه لو صالحه من دعواه لينتقض لم يكن فيه شفعة؛ لأنه كالهبة، وقد حدثثا سفيان بن عيينة: أن علي بن أبي طالب أتي بصلح فقرأه، فقال: هذا حرام، ولولا أنه صلح لفسخته. قال ابن حبيب: وقول ابن مطرف (٢)، وابن الماجشون أحب


(١) رواه عن عمرو بن عوف المزني مرفوعًا الترمذي (١٣٥٢)، وابن ماجه (٢٣٥٣).
(٢) كذا بالأصل: ابن مطرف، والصواب مطرف كما سبق النقل عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>