الكلام، ولم ينفهم لمن لم يعرف معنى: انيه وإلحاق بعض العرب هذه الزيادة الأسماء في الاستفهام عند الإنكار، ظن أنه مصحَّف من الابنة، وكذلك فعل في حديث جويرية. وشك يحيى بن يحيى في سماعه اسمها في حديثه وقوله: أحسبه قال: جويرية أو البتة: ابنة الحارث، فقيده: أو أليته بفتح الهمزة وكسر اللام بعدها ياء باثنتين تحتها مخففة، وظنه اسمًا وإن شَكَّ يحيى إنما هو في تغيير الاسم لا في إثباته أو سقوطه، ويحيى إنما شك هل سمع في الحديث زيادة اسم جويرية أو إنما سمع ابنة الحارث فقط، ثم نفي الشك عن نفسه بعد قوله: أحسبه قال: جويرية، فقال: أو البتة، أي إني أحقق أنه قالها، ومثل هذا في حديث يحيى بن يحيى كثير وسنذكر منه في موضعه إن شاء الله.
وكذلك روى حديث ادام أهل الجنة بالَامٌ فقال بالأْيٌ يعني: الثور. وهكذا وجدت معظمًا من شيوخنا قد أصلح في كتابه من مسلم في حديث أم زرع من روايته عن الحلواني عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة في قوله: وعَقْرُ جارتها فأصلحه وعُبْرُ بالباء وضم العين إتباعًا لما رواه فيه ابن الأنباري، وفسره بالاعتبار أو الاستعبار على ما نذكره إذ لم ينفهم له ذلك في عقر، والمعنيان بيّنان في عقر إذ هو بمعنى الحيرة والدهش، وقد يكون بمعنى الهلاك وكله بمعنى قوله في الرواية المشهورة: وغَيْظُ جارتها، وسنبينه في موضعه بأشبع من هذا إن شاء الله في أمثلة كثيرة نذكرها في مواضعها إلا قصة جليبيب فهذا اللفظ ليس في شيء من هذه الأصول.
فبحسب هذه الإشكالات والإهمالات في بعض الأمهات واتفاق بيان ما يسمح به الذكر ويقتدحه الفكر مع الأصحاب في مجالس السماع والتفقه، ومسيس الحاجة إلى تحقيق ذلك ما تكرر على السؤال في كتاب يجمع شواردها ويسدد مقاصدها ويبين مشكل معناها وينص اختلاف الروايات فيها ويظهر أحقها بالحق وأولاها، فنظرت في ذلك فإذا جمع ما وقع من ذلك في جماهير تصانيف الحديث وأمهات مسانيده ومنثورات أجزائه يطول ويكثر، وتتبُّع ذلك مما يشق ويعسر والاقتصار على تفاريق منها لا يرجع إلى ضبط ولا يحصر، فأجمعت على تحصيل ما وقع من ذلك في الأمهات الثلاث الجامعة لصحيح الآثار التي أُجمع على تقديمها في الأعصار وقبلها العلماء في سائر الأمصار، الأئمة الثلاثة: الموطأ لأبي عبد الله مالك بن أنس المدني، والجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، والمسند الصحيح لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري. إذ هي أصول كل أصل ومنتهى كل عمل في هذا الباب، وقول وقدرة مدعي كل قوة بالله في علم الآثار، وحول وعليها مدار أندية السماع وبها عمارتها وهي مبادئ علوم الآثار وغايتها
ومصاحف السنن ومذاكرتها، وأحق ما صرفت إليه العناية وشغلت به الهمة.
ولم يؤلف في هذا الشأن كتاب مفرد تقلد عهده ما ذكرناه على أحد هذه الكتب أو غيرها إلا ما صنعه الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في تصحيف المحدثين، وأكثره مما ليس في هذه الكتب. وما صنعه الإمام أبو سليمان الخطابي في جزء لطيف وإلا نكتًا متفرقة وقعت أثناء شروحها لغير واحد لو جمعت لم تشف غليلًا ولم تبلغ من البغية إلا قليلًا. وإلا ما جمع الشيخ الحافظ أبو علي الحسن بن محمد الغساني شيخنا ﵀ في كتابه المسمى بتقييد المهمل، فإنه تقصى فيه أكثر ما اشتمل عليه الصحيحان وقيّده أحسن تقييد