للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التكسب وأنه ينافي التوكل على الله.

قال الإمام ابن القيم: "وعندهم أن الله لم يخلق شيئًا بسبب، ولا جعل في الأسباب قوى وطبائع تؤثر، فليس في النار قوة الإحراق، لا في السم قوة الإهلاك، ولا في الماء والخبز قوة الري والتغذي به، ولا في العين قوة الإبصار، ولا في الأذن والأنف قوة السمع والشم؛ بل الله سبحانه يحدث هذه الآثار عند ملاقاة هذه الأجسام لا بها، فليس الشبع بالأكل ولا الري بالشرب، ولا العلم بالاستدلال ولا الانكسار بالكسر ولا الإزهاق بالذبح، ولا الطاعات والتوحيد سببًا لدخول الجنة والنجاة من النار، ولا الشرك والكفر والمعاصي سببًا لدخول النار؛ بل يدخل هؤلاء الجنة بمحض مشيئته من غير سبب ولا حكمة أصلا ويدخل هؤلاء النار بمحض مشيئته من غير سبب ولا حكمة ... بل عندهم صدور الكائنات والأوامر والنواهي عن محض المشيئة الواحدة التي رجحت مثلا على مثل بغير مرجح فعنها يصدر كل حادث ويصدر مع الحادث حادث آخر مقترنًا به اقترانًا عاديًا لا أن أحدهما سبب الآخر ولا مرتبط به، فأحدهما مجرد علامة وأمارة على وجود الآخر، فإذا وجد أحد المقترنين وجد الآخر معه بطريق الاقتران العادي فقط لا بطريق التسبب والاقتضاء، وهذا عندهم هو نهاية التوحيد وغاية المعرفة، وطرد هذا المذهب مفسد للدنيا والدين بل ولسائر أديان الرسل، ولهذا لما طرده قوم أسقطوا الأسباب الدنيوية وعطلوها وجعلوا وجودها كعدمها ولم يمكنهم ذلك فإنهم لا بد أن يأكلوا ويشربوا ويباشروا من الأسباب ما يدفع عنهم الحر والبرد والألم.

فإن قيل لهم: هلا أسقطتم ذلك؟

قالوا: لأجل الاقتران العادي.

فإن قيل لهم: هلا قمتم بما أسقطتموه من الأسباب لأجل الاقتران العادي

<<  <  ج: ص:  >  >>