قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله:"هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن مندة وابن جرير الطبري وغيرهما، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في تاج العروس وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في آخرين -رحم الله الجميع-، وهو استقراء تام لنصوص الشرع، وهو مطرد لدي أهل كل فن، كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تفه بهذا، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء"(١).
* التلازم بين أنواع التوحيد:
قال القاضي ابن أبي العز رحمه الله: "فعُلم أن التوحيد المطلوب هو توحيد الإلهية الذي يتضمن توحيد الربوبية. . والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه، وضرب الأمثال له، ومن ذلك أنه يقرِّر توحيد الربوبية، ويبين أنه لا خالق إلا الله، وأن ذلك مستلزم أن لا يُعبد إلا الله، فيجعل الأول دليلًا على الثاني، إذ كانوا يُسلِّمون الأول وينازعون في الثاني، فيبيّن لهم سبحانه أنكم إذا كنتم تعلمون أنه لا خالق إلا الله، وأنه هو الذي يأتي العباد بما ينفعهم، ويدفع عنهم ما يضرهم، لا شريك له في ذلك، فلم تعبدون غيره وتجعلوه معه آلهة أخرى؟! كقوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} الآيات [النمل: ٥٩ - ٦٠].
يقول الله تعالى في آخر كل آية:{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي: أإله مع الأن فعل هذا؟ وهذا استفهام إنكار، يتضمن نفي ذلك، وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله، فاحتج عليهم بذلك، وليس المعنى استفهام: هل مع الله إِله؟ كما ظنه بعضهم؛
(١) التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير ص ٢٩، ٣٠.