للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن الأثير: "وإنما أحب الفأل لأن الناس إذا أملوا فائدة الله تعالى ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي فهم على خير، ولو غلطوا في جهة الرجاء فإن الرجاء لهم خير، وإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشر، وأما الطيرة فإن فيها سوء الظن بالله وتوقع البلاء" (١).

قال الحليمي: "إنما كان - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الفأل لأن التشاؤم سوء الظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن الظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال" (٢).

[٢ - الفرق بين الفأل والطيرة]

يقول ابن القيم - رحمه الله -: "وفي الفرقان بينهما فائدة كبيرة وهي: أن التطير هو التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع فإذا استعملها الإنسان فرجع بها من سفره وامتنع بها مما عزم عليه فقد قرع باب الشرك بل ولجه وبرئ من التوكل على الله وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق بغير الله والتطير مما يراه ويسمعه وذلك قاطع له من مقام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥] و {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣]، و {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)} [هود: ٨٨] فيصير قلبه متعلقًا بغير الله عبادة وتوكلًا فيفسد عليه قلبه وإيمانه وحاله ويبقى هدفًا لسهام الطيرة ويُساق إليه من كل أوب ويقيّض له الشيطان من ذلك ما يفسد عليه دينه ودنياه - وكم أهلك بذلك وخسر الدنيا والآخرة - فأين هذا من الفأل الصالح السار للقلوب المؤيد للآمال الفاتح باب الرجاء المسكن للخوف، الرابط للجأش، الباعث على الاستعانة بالله والتوكل عليه، والاستبشار المقوي لأمله، السار لنفسه. فهذا ضد


(١) النهاية لابن الأثير (ف أ ل). وذكر الدميري كلامًا مشابهًا في حياة الحيوان الكبرى ٢/ ٩٨.
(٢) فتح الباري ١٠/ ٢١٥، تيسير العزيز الحميد ص ٤٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>