للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣. الأعمال التي رتب عليها الشارع ثوابًا دنيويًا:

ومثال ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل قتيلًا فله سَلَبُه" ونحو ذلك. فهذا إذا استحضر ثواب الآخرة وسعى لها ورغب إليها واستحضر ثواب الدنيا ولم يقتصر عليها بل كان قلبه معلقًا بالآخرة فلا بأس بذلك مع العلم بأن الأفضل استحضار ثواب الآخرة فقط؛ لأن الشارع إنما رتب الثواب الدنيوي لجواز قصده.

وإن لم يرتب الشارع لها ثوابًا دنيويًا ولم يرغب فيه فقصد ثواب الدنيا محرم وشرك بالله وهذه المسائل كثيرة، وصورها لا يتأتى حصرها في مثل هذا، والأمر كما قال ابن القيم - رحمه الله -: "وأما الشرك في الإرادات والنيات، فذلك البحر الذي لا ساحل له وقلَّ من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا غير التقرب إليه، وطلب الجزاء منه، فقد أشرك في نيته وإرادته، والإخلاص: أن يخلص لله في أفعاله وأقواله وإرادته ونيته، وهذه هي الحنفية ملة إبراهيم التى أمر الله بها عباده كلهم، ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: ٨٥] " (١).

فينبغي للعبد أن يكون مخلصًا لله، مريدًا بعمله وجه الله حتى يغنم الأجرين في الدارين؛ لأن من أراد الله والآخرة جمع الله له ثواب الدنيا والآخرة، ولا يلتفت إلى تحصيل الدنيا، وقد جاءت الأحاديث محذرة من ذلك، أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء، عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (٢).


(١) الجواب الكافي ٢٠٠.
(٢) أخرجه مسلم (٢٩٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>