قال أبو العباس بن تيمية -رحمه الله-: "فصل: مشابهتهم فيما ليس من شرعنا قسمان:
أحدهما: مع العلم بأن هذا العمل هو من خصائص دينهم فهذا العمل الذي هو من خصائص دينهم إما أن يفعل لمجرد موافقتهم وهو قليل وإما لشهوة تتعلق بذلك العمل وإما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا وفي الآخرة وهذا لا شك في تحريمه لكن يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر وقد يصير كفرًا بحسب الأدلة الشرعية، وإما عمل لم يعلم الفاعل أنه من عمله فهو نوعان:
أحدهما: ما كان في الأصل مأخوذا عنهم إما على الوجه الذي يفعلونه وإما مع نوع تغيير في الزمان أو المكان أو الفعل ونحو ذلك فهو غالب ما يبتلى به العامة في مثل ما يصنعونه في الخميس الحقير والميلاد ونحوهما فإنهم قد نشئوا على اعتياد ذلك وتلقاه الأبناء عن الآباء وأكثرهم لا يعلمون مبدأ ذلك فهذا يعرف صاحبه حكمه فإن لم ينته وإلا صار من القسم الأول.
النوع الثاني: ما ليس في الأصل مأخوذًا عنهم لكنهم يفعلونه أيضًا، فهذا ليس فيه محذور المشابهة ولكن قد تفوت فيه منفعة المخالفة فتوقف كراهة ذلك وتحريمه على دليل شرعي وراء كونه من مشابهتهم، إذ ليس كوننا تشبهنا بهم بأولى من كونهم تشبهوا بنا، فأما استحباب تركه لمصلحة المخالفة إذا لم يكن في تركه ضرر فظاهر لما تقدم من المخالفة، وهذا قد توجب الشريعة مخالفتهم فيه وقد توجب عليهم مخالفتنا كما في الزي ونحوه وقد يقتصر على استحباب كما في صبغ اللحية والصلاة في النعلين والسجود، وقد تبلغ إلى الكراهة كما في تأخير المغرب والفطور بخلاف مشابهتهم فيما كان مأخوذًا عنهم فإن الأصل فيه