للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد اختلف العلماء هل الأفضل لمن أصابه المرض التداوي أم تركه لمن حقق التوكل على الله؟ فيه قولان مشهوران.

وظاهر كلام أحمد أن التوكل لمن قوي عليه أفضل؛ لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب" ثم قال: "هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون".

ومنها ما يخرقه القليل من العامة، كحصول الرزق لمن ترك السعي في طلبه فمن رزقه الله صدق يقين، وتوكل، وعلم من الله أن يخرق له العوائد ولا يحوجه إلى الأسباب المعتادة في طلب الرزق ونحوه، جاز له ترك الأسباب ولم ينكر عليه ذلك. وحديث عمر (١) هذا الذي نتكلم عليه يدل على ذلك، ويدل على أن الناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم، ومساكنتهم لها، فلذلك يتعبون أنفسهم في الأسباب، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد ولا يأتيهم إلا ما قدر لهم، فلو حققوا التوكل على الله بقلوبهم لساق إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح، وهو نوع من الطلب والسعي لكنه سعي يسير" (٢).

[٨ - مسألة مهمة في علاقة التداوي والاكتواء والاسترقاء بالتوكل]

قد جاء عند أحمد والنسائي مرفوعًا: "من استرقى أو اكتوى فقد برئ من التوكل" (٣). والمقصود من هذا الحديث التوكل المستحب، لأن طلب الرقية جائز.

وسوف يقتصر كلامنا هنا على الاسترقاء فقط، أما الاكتواء التداوي فقد سبق الكلام عنهما في بابي (التداوي) و (الكي).


(١) الحديث: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير .. ".
(٢) جامع العلوم والحكم ٢/ ٤٩٨ - ٥٠٢.
(٣) مسند الإمام أحمد ٤/ ٢٤٩، وابن ماجه (٣٤٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>