أمر بتعاطي الأسباب، مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، كما قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}[النساء: ٧١]، وقال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}[الأنفال: ٦٠]. وقال تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[الجمعة: ١٠].
وقال سهل التستري: من طعن في الحركة -يعني في السعي والكسب- فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي -صلى الله عليه وسلم- والكسب سنته، فمن عمل على حاله، فلا يتركنَّ سنته. ثم إن الأعمال التي يعملها العبد ثلاثة أقسام:
أحدها: الطاعات التي أمر الله عباده بها، وجعلها سببا للنجاة من النار، ودخول الجنة، فهذا لا بد من فعله مع التوكل على الله فيه، والاستعانة به عليه .. فمن قصّر في شيء مما وجب عليه من ذلك استحق العقوبة في الدنيا والآخرة شرعا وقدرا.
الثاني: ما أجرى الله العادة به في الدنيا، وأمر عباده بتعاطيه كالأكل عند الجوع، والشرب عند العطش، والاستظلال من الحر والتدفي من البرد ونحو ذلك، فهذا أيضا واجب على المرء تعاطي أسبابه، ومن قصر فيه حتى تضرر بتركه مع القدرة على استعماله، فهو مفرط يستحق العقوبة، لكن الله سبحانه وتعالى قد يقوي بعض عباده من ذلك على ما لا يقوي عليه غيره، فإذا عمل بمقتضى قوته التي اختص بها عن غيره فلا حرج عليه، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يواصل صيامه وينهى عن ذلك أصحابه.
الثالث: ما أجرى الله العادة به في الدنيا في الأعم الأغلب، وقد يخرق العادة في ذلك لمن شاء من عباده وهو على أنواع:
منها: ما يخرقه كثيرًا ويفي عنه كثيرا من خلقه، كالأدوية بالنسبة إلى كثير من البلدان وسكان البوادي ونحوها.