للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأسباب بالكلية قدحٌ في الشرع، نما التوكل المأمور به: ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع" (١).

وقال ابن القيم رحمه الله: "وهذا الكلام يحتاج إلى شرح وتقييد؛ فالالتفات إلى الأسباب ضربان:

أحدهما: شرك، والآخر عبودية وتوحيد؛ فالشرك أن يعتمد عليها ويطمئن إليها، يعتقد أنها بذاتها محصلة للمقصود، فهو معرض عن المسبب لها، ويجعل نظره والتفاته مقصورًا عليها.

وأما إن التفت إليها التفات امتثال وقيام بها، وأداء لحق العبودية فيها، وإنزالها منازلها؛ فهذا الالتفات عبودية وتوحيد، إذا لم يشغله عن الالتفات إلى المسبب.

وأما محوها أن تكون أسبابا؛ فقدح في العقل والحس والفطرة، فإن أعرض عنها بالكلية؛ كان قدحا في الشرع وإبطالا له.

وحقيقة التوكل: القيام بالأسباب، والاعتماد بالقلب على المسبب، واعتقاد أن الأمر بيده، فإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه.

فالموحد المتوكل؛ لا يلتفت إليها؛ بمعنى أنه لا يسقطها ولا يهملها ويلغيها؛ بل يكون قائمًا بها ملتفتا إليها ناظرا إلى مسببها سبحانه ومجريها ... فإذا جمعت بين هذا التوحيد، وبين إثبات الأسباب؛ استقام قلبك على السير إلى الله ووضح لك الطريق الأعظم الذي مضى عليه جميع رسل الله وأنبيائه وأتباعهم، وهو الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، وبالله التوفيق" (٢).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله


(١) مجموع الفتاوى ١٠/ ٣٥، وانظر المدارج ٣/ ٤٩٩. ط. دار الفكر.
(٢) مدارج السالكين ٣/ ٤٩٩، ٥٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>