للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أخبر الله في كتابه عن مريم -عليها السلام-: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥)} [مريم: ٢٥].

وهذا دليل على أن الله عزَّ وجلَّ يأمر باتخاذ الأسباب، كما دل على ذلك قوله: {وَهُزِّي} وفي ذلك يقول بعضهم:

ألم تر أن الله قال لمريم ... فهزي إليك الجذع يسَّاقطُ الرطب

ولو شاء أن تجنيه من غير هزها ... جنته ولكن كل شيء له سبب

يقول ابن الجوزي: "وقد تشبث القاعدون عن التكسب بتعللات قبيحة منها أنهم قالوا: لا بد أن يصل إلينا رزقنا وهذا في غاية القبح فإن الإنسان لو ترك الطاعة وقال: لا أقدر بطاعتي أن أغير ما قضى الله عليّ فإن كنت من أهل الجنة فأنا إلى الجنة أو من أهل النار فأنا من أهل النار. قلنا له: هذا يرد الأوامر كلها ... ومعلوم أننا مطالبون بالأمر لا بالقدر" (١).

ويقول أيضًا رحمه الله: "فقد كان آدم عليه السلام حراثًا، ونوح وزكريا نجارَين، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط زراعين، وصالح تاجرًا، وكان سليمان يعمل الخوص، وداود يصنع الدروع، ويأكل من ثمنه، وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة صلى الله عليهم أجمعين" (٢).

والإنسان مع أخذه بالأسباب وإثباتها لا يعتمد عليها بل ينظر إلى مسببها وهو الله سبحانه وتعالى.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا قال طائفة من العلماء: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقصٌ في العقل والإعراض عن


(١) تلبيس إبليس ص ٢٨٦.
(٢) تلبيس إبليس ص ٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>