للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[أقوال العلماء]

قال الإمام ابن القيم: "والإنابة إنابتان: إنابة لربوبيته:

وهي إنابة المخلوقات كلها، يشترك فيها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} فهذا عام في حق كل داع أصابه ضر كما هو الواقع، وهذه الإنابة لا تستلزم الإسلام، بل تجامع الشرك والكفر، كما قال تعالى في حق هؤلاء: {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} فهذا حالهم بعد إنابتهم.

والإنابة الثانية: إنابة أوليائه، وهي إنابة لإلهيته، إنابة عبودية ومحبة.

وهي تتضمن أربعة أمور: محبته، والخضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه. فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربع، وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك.

وفي اللفظة معنى الإسراع والرجوع والتقدم، و "المنيب" إلى الله المسرع إلى مرضاته، الراجع إليه كل وقت، المتقدم إلى محابه" (١).

والناس في إنابتهم على درجاتٍ متفاوتة، فمنهم المنيب إلى الله بالرجوع إليه من المخالفات والمعاصي، وهذه الإنابة مصدرُها مطالعةُ الوعيد، والحاملُ عليها العلم والخشية والحذر.

ومنهم المنيب إليه بالدخول في أنواع العبادات والقُربات، فهو ساع فيها بجهده وقد حُبِّبَ إليه فعلُ الطاعات وأنواع القربات، وهذه الإنابة مصدرها الرجاءُ ومطالعة الوعد والثواب، ومحبة الكرامة من الله .. ومنهم المنيبُ إلى الله بالتضرُّع والدعاء، والافتقار إليه، والرغبة وسؤال الحاجات كلها منه، ومصدرُ هذه الإنابة


(١) مدارج السالكين ١/ ٤٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>