للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والاسترقاء -طلب الرقية- قد قال كثير من العلماء أنه يقدح في تمام التوكل، منهم الإمام أحمد والخطابي والقاضي عياض والنووي وابن تيمية وابن القيم -رحمهم الله- وهو القول الراجح الذي يدل عليه حديث "السبعون ألفًا".

قال ابن رجب: "وظاهر كلام أحمد أن التوكل لمن قوي عليه أفضل؛ لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب" ثم قال: "هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون" (١).

وقال القاضي عياض رحمه الله وغيره: "الحديث يدل على أن للسبعين الألف مزية عن غيرهم وفضيلة تفردوا بها" (٢).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المسترقي يسأل غيره ويرجو نفعه وتمام التوكل ينافي ذلك، والمراد وصف السبعين ألفًا بتمام التوكل فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يكويهم ولا يتطيرون من شيء" (٣).

وقال ابن القيم رحمه الله: "والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يجعل ترك الإحسان المأذون فيه سببًا للسبق إلى الجنان وهذا بخلاف ترك الاسترقاء، فإنه توكل على الله ورغبة عن سؤال غيره ورضاء بما قضاه، وهذا شيء وهذا شيء" (٤).

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: "اعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلًا، كما يظنه الجهلة؛ فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمرٌ فطري ضروري، لا انفكاك لأحدٍ عنه، حتى الحيوان البهيم، بل نفس التوكل مباشرة لأعظم الأسباب، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣] أي كافيه.


(١) جامع العلوم والحكم ٢/ ٥٠١.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم ٣/ ٩٠، التجريد في شرح كتاب التوحيد للعجيلي ١/ ٧٧.
(٣) مجموع الفتاوى ١/ ١٨٢، ٢٣٨.
(٤) مفتاح دار السعادة ٢/ ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>