للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن سحر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يحط من شأن رسالته ولا ينفي عصمته.

وفي الفتح: "قال المازري: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، قالوا: وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثم، وأنه يوحى إليه بشيء ولو يوح إليه بشيء.

وقال أيضًا: وهذا كله مردود لأن الدليل قد قام على صدق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغه، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل. وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض، فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين، قال: وقد قال بعض الناس: إن المراد بالحديث: أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن. وهذا كثيرا ما يقع تخيله للإنسان في المنام، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.

وقال ابن حجر: "وهذا قد ورد صريحًا في رواية ابن عيينة ولفظه: حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن" (١).

وقال القاضي عياض: "والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم -، كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته، وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طُرُوُّه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث لسببها، ولا فضّل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيّل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان" (٢).


(١) فتح الباري ١٠/ ٢٢٦، ٢٢٧.
(٢) الطب النبوي لابن القيم ص ١٢٤. وللاستزادة انظر: مسائل الإمام أحمد في العقيدة ٢/ ١٠٤ والآثار الواردة في سير أعلام النبلاء د. جمال بن أحمد ١/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>