وقال ابن عثيمين:"جرى شرّاح هذا الحديث على أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نهاهم عن قول: "سيدنا" فحاولوا الجمع بين هذا الحديث وبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا سيد ولد آدم"، وقوله: "قوموا إلى سيدكم"، وقوله في الرقيق: "وليقل سيدي ومولاي". بواحد من ثلاثة أوجه:
الأول: أن النهي على سبيل الكراهة والأدب، والإباحة على سبيل الجواز.
الثاني: أن النهي حيث يخشى منه المفسدة، وهي التدرج إلى الغلو، والإباحة إذا لم يكن هناك محذور.
الثالث: أن النهي بالخطاب أي أن تخاطب الغير بقولك: أنت سيدي أو سيدنا، بخلاف الغائب؛ لأن المخاطب ربما يكون في نفسه عجب وغلو وترفع، ثم إن فيه شيئًا آخر وهو خضوع هذا المتسيد له وإذلال نفسه له بخلاف ما إذا جاء من الغير، مثل: "قوموا إلى سيدكم"، أو علي سبيل الغيبة كقول العبد: قال سيدي ونحو ذلك، لكن هذا يرد عليه إباحته - صلى الله عليه وسلم - للرقيق أن يقول لمالكه: سيدي.
والذي يظهر لي أن لا تعارض أصلا لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أذن لهم أن يقولوا بقولهم، لكن نهاهم أن يستجريهم الشيطان بالغلو مثل "السيد"؛ لأن السيد المطلق هو الله تعالى وعلى هذا فيجوز أن يقال: سيدنا وسيد بني فلان ونحوه، لكن بشرط أن يكون الموجه إليه السيادة أهلا لذلك، أما إذا لم يكن أهلا كما لو كان فاسقًا أو زنديقا فلا يقال له ذلك حتى ولو فرض أنه أعلى منه مرتبة أو جاها، وقد جاء في الحديث: "لا تقولوا للمنافق سيد فإنكم إذا قلتم ذلك أغضبتم الله". فإذا كان أهلا لذلك وليس هناك محذور، فلا بأس به، وأما إن خشي المحذور أو كان غير أهل فلا يجوز. والمحذور: هو الخشية من الغلو فيه"(١).
(١) مجموع الفتاوى لابن عثيمين ١٠/ ١١٠٦، ١١٠٧. وانظر القول المفيد ط ١ - ٣/ ١١٢، ٢٧٩، ٢٨٠.