من لم يرد الله تعالى فتنته ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابها من دون الله، وعبدت قبورهم، واتخذت أوثانًا، وبنيت عليها الهياكل، وصورت صور أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجسادا لها ظل، ثم جعلت أصناما، وعبدت مع الله تعالى. وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح كما أخبر سبحانه عنهم في كتابه، حيث يقول تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (٢١) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} [نوح: ٢١ - ٢٤].
وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج قال: قال عطاء عن ابن عباس: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت".
وقال غير واحد من السلف:"كان هؤلاء قومًا صالحين في قوم نوح عليه السلام، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم".
فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التمائيل. وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته عن عائشة - رضي الله عنها - منها أن أم سلمة ولكنها ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتها بأرض الحبشة، يقال لها مارية، فذكرت له