للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخلق لم يهتد ولم يوفق للتوبة ولم يتبصر في الحق، لأنه سبحانه وتعالى قد أوضح الحجة والدليل وبين السبيل وشرع أسباب التوبة وبينها ولكنه لم يشأ لبعض الناس أن يهتدي أو يتوب أو يتبصر فذلك لم يقع منه ما أراده الله شرعا، لما قد سبق في علم الله وإرادته الكونية من أن هذا الشخص المعين لا يكون من المهتدين ولا ممن يوفق للتوبة. وهذا بحث عظيم ينبغي تفهمه وتعقله والتبصر في أدلته، ليسلم المؤمن من إشكالات كثيرة وشبهات مضلة حار فيها الكثير من الناس لعدم تحقيقهم للفرق بين الإرادتين.

ومما يزيد المقام بيانًا أن الإرادتين تجتمعان في حق المؤمن فهو إنما آمن بمشيئة الله وإرادته الكونية، وهو في نفس الوقت قد وافق بإيمانه وعمله الإرادة الشرعية وفعل ما أراده الله منه شرعا وأحبه منه، وتنفرد الإرادة الكونية في حق الكافر والعاصي فهو إنما كفر وعصى بمشيئة الله وإرادته الكونية، وقد تخلفت عنه الإرادة الشرعية لكونه لم يأت بمرادها وهو الإسلام والطاعة فتنبه وتأمل، والله الموفق" (١).

ويقول شارح الطحاوية: "ومنشأ الضلال من التسوية بين المشيئة والإرادة وبين المحبة والرضى، فسوى بينهما الجبرية والقدرية ثم اختلفوا فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره فيكون محبوبًا مرضيًا.

وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدرة ولا مقضية فهي خارجة عن مشيئته وخلقه وقد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة.

أما أهل السنة فيقولون: إن الله وإن كان يريد المعاصي قدرًا فهو لا يحبها ولا يرضاها ولا يأمر بها بل يبغضها ويسخطها وينهى عنها وهذا قول السلف قاطبة" (٢).


(١) مجموع فتاوى ابن باز ص ٤٧٨، ٤٧٩.
(٢) شرح الطحاوية ص ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>