للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ضلت القدرية والجبرية إلا بسبب اعتمادها المحض على العقل وعدم الاعتماد على الكتاب والسنة وقول سلف الأمة، ومعلوم أن بعض جوانب القدر لا يمكن للعقل الإنساني مهما كان نبوغه أن يستوعبها.

قال إبراهيم القرشي: "كنت جالسًا عند ابن عمر - رضي الله عنهما - فسئل عن القدر؟ فقال: شيء أراد الله عز وجل ألا يطلعكم عليه، فلا تريدوا من الله عز وجل ما أبى عليكم" (١).

وفي شرح النووي قال: "قال الإمام أبو المظفر السمعاني: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب؛ لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار، واختص الله به، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم؛ لما علمه من الحكمة. وواجبنا أن نقف حيث حدَّ لنا، ولا نتجاوزه، وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم، فلم يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب. وقيل: إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة، ولا ينكشف قبل دخولها. والله أعلم" (٢).

وقال الآجري: "لا يحسن بالمسلمين التنقير والبحث في القدر؛ لأن القدر سر من أسرار الله عز وجل، بل الإيمان بما جرت به المقادير من خير أو شر واجب على العباد أن يؤمنوا به، ثم لا يأمن العبد أن يبحث عن القدر فيكذب بمقادير الله الجارية على العباد، فيضل عن طريق الحق قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما هلكت أمة قط إلا بالشرك بالله عز وجل، وما أشركت أمة حتى يكون بدوُّ شركها التكذيب بالقدر"" (٣).

ويقول الطحاوي - رحمه الله تعالى -: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم


(١) أخرجه الآجري في الشريعة ص ٢٣٥.
(٢) شرح النووي على مسلم ١٦/ ١٩٦. وراجع فتح الباري ١١/ ٤٧٧.
(٣) الشريعة للآجري ص ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>