للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد بيَّن شيخ الإسلام أنه لا يكفي في المعجزة مجرد الدعوى، قال رَحِمَهُ اللهُ: "فقد تبين أنه ليس من شرط دلائل النبوة لا اقترانه بدعوى النبوة، ولا الاحتجاج به ولا التحدي بالمثل ولا تقريع من يخالفه، بل كل هذه الأمور قد تقع في بعض الآيات، لكن لا يجب أن ما لا يقع معه لا يكون آية بل هذا إبطال لأكثر آيات الأنبياء لخلوها عن هذا الشرط ... وهم - أي الأشاعرة - إنما شرطوا ذلك لأن كرامات الأولياء عندهم متى اقترن بها دعوى النبوة، كانت آية للنبوة، وجنس السحر والكهانة متى اقترن به دعوى النبوة كان دليلا على النبوة عندهم لكن قالوا: الساحر والكاهن لو ادعى النبوة لكان يمتنع من ذلك، أو يعارض بمثله، وأما الصالح فلا يدعى، فكان أصلهم أن ما يأتي به النبي والساحر والكاهن والولي من جنس واحد لا يتميز بعضه عن بعض بوصف، لكن خاصة النبي اقتران الدعوى والاستدلال والتحدي بالمثل بما يأتي به، فلم يجعلوا لآيات الأنبياء خاصة تتميز بها عن السحر والكهانة وعما يكون لآحاد المؤمنين، ولم يجعلوا للنبي مزية على عموم المؤمنين، ولا على السحرة والكهان من جهة الآيات التي يدل الله بها العباد على صدقه.

وهذا افتراء عظيم على الأنبياء وعلى آياتهم، وتسوية بين أفضل الخلق وشرار الخلق، بل تسوية بين ما يدل على النبوة، وما يدل على نقيضها، فإن ما يأتي به السحرة والكهان لا يكون إلا لكذاب فاجر عدو لله، فهو مناقض للنبوة، فلم يفرقوا بين ما يدل على النبوة وعلى نقيضها، وبين ما لا يدل عليها، ولا على نقيضها، فإن آيات الأنبياء تدل على النبوة، وعجائب السحرة والكهان تدل على نقيض النبوة، وإن صاحبها ليس ببر ولا عدل، ولا ولي لله فضلًا عن أن يكون نبيًا، بل يمتنع أن يكون الساحر والكاهن نبيًا بل هو من أعداء الله" (١).


(١) النبوات ١/ ٦٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>