وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام:"قال أبو علي الجوزجاني: "كن طالبًا للاستقامة لا طالبًا للكرامة، فإن نفسك منجبلة على طلب الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة". قال الشيخ السهروردي في عوارفه: وهذا الذي ذكره أصل عظيم كبير في الباب وسر غفل عن حقيقته كثير من أهل السلوك والطلاب وذلك أن المجتهدين والمتعبدين سمعوا عن سلف الصالحين المتقدمين وما مُنحوا به من الكرامات وخوارق العادات فأبدًا نفوسهم لا تزال تتطلع إلى شيء من ذلك ويحبون أن يرزقوا شيئًا من ذلك، ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب متهمًا لنفسه في صحة عمله حيث لم يُكاشف بشيء من ذلك، ولو علموا سر ذلك لهان عليهم الأمر، فيعلم أن الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك بابًا، والحكمة فيه أن يزداد بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة تفننًا فيقوى عزمه على هذا الزهد في الدنيا والخروج عن دواعي الهوى، وقد يكون بعض عباده يكاشف بصدق اليقين ويرفع عن قلبه الحجاب، ومن كوشف بصدق اليقين أغنى بذلك عن رؤية خرق العادات؛ لأن المراد منها كان حصول اليقين وقد حصل اليقين، فلو كوشف هذا المرزوق صدق اليقين بشيء من ذلك لازداد يقينًا، فلا تقتضي الحكمة كشف القدرة بخوارق العادات لهذا الموضع استغناء به وتقتضي الحكمة كشف ذلك لآخر لموضع حاجته، وكان هذا الثاني يكون أتم استعدادًا وأهلية من الأول، فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة فهي كل الكرامة، ثم إذا وقع في طريقه شيء خارق كان كأن لم يقع فما يبالي ولا ينقص بذلك وإنما ينقص بالإخلال بواجب حق الاستقامة، فتعلّم هذا لأنه أصل كبير للطالبين والعلماء الزاهدين ومشايخ الصوفية"(١).