للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التسليم والقبول.

ويغلب أن تكون معجزة كل رسول مناسبة لما انتشر في عصره، وبرز فيه قومه، وعرفوا بالمهارة فيه، ليكون ذلك أدعى لفهمها، وأعظم لدلالتها على المطلوب، وأمكن في الالتزام بمقتضاها، ففي عهد موسى - عليه السَّلام - انتشر السحر، ومهر فيه قومه، حتى أثروا به على النفوس، وسحروا به أعين الناظرين، وأوجس في نفسه خيفة منه من شهده، وإن كان عالي الهمة، قوي العزيمة، فكان ما آتاه الله نبيه موسى فوق ما تبلغه القوى والقدر، وما لا يدرك بالأسباب والوسائل، وقد أوضح الله ذلك في كثير من الآيات، منها قوله تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (١٢٠) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٢)} [الأعراف: ١٢٠ - ١٢٢].

وفي عهد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام برع بنو إسرائيل في الطب فكان مما آتاه الله أن يصور من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، وإحياء الموتى بإذن الله، إلى غير ذلك من الآيات التي تثبت بها رسالته، وقامت الحجة على قومه.

وفي عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - كان العرب قد بلغوا الغاية في فصاحة اللسان، وقوة البيان، وجرت الحكمة على ألسنتهم حتى اتخذوا ذلك ميدانًا للسباق والمباراة، فأنزل الله القرآن على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فكانت بلاغته وبيانه وما تضمنه من الحكم والأمثال جانبا من جوانب إعجازه، عن أبي هريرة قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "وما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" (١) " (٢).


(١) أخرجه مسلم (١٥٢).
(٢) مذكرة التوحيد عبد الرزاق عفيفي ص ٤٨، ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>