للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه: فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد، ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرًا ويسمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تارك الصلاة كافرًا ولا يطلق عليهما اسم الكفر، وقد نفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد.

وكذلك قوله: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" (١) فهذا كفر عمل، وكذلك قوله: "من أتى كاهنًا فصدقه أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد" (٢)، وقوله: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" (٣)، وقد سمى الله سُبْحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمنًا بما عمل به وكافرًا بما ترك العمل به ... فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي، وقد أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" (٤) ففرق بين قتاله وسبابه، وجعل أحدهما فسوقًا لا يكفر به والآخر كفرًا، ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان.

وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم. فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم


(١) أخرجه البخاري (١٢١) (٧٠٨٠)، ومسلم (٦٥).
(٢) مسند الإمام أحمد (١٠١٧٠) (٩٢٧٩).
(٣) أخرجه البخاري (٦١٠٣)، ومسلم (٦٠).
(٤) أخرجه البخاري (٤٨) (٦٠٤٤) (٧٠٧٦)، ومسلم (٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>