للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الطحاوي: "فتأملنا هذه الآثار وكشفناها لِنَقفَ على الأَوْلى منها بما نزلت فيه هذه الآيةُ من المعنيين المذكورين فيها، فاحتملَ أن يكون نزولُها في وقتٍ واحد يُرادُ بها السببان المذكوران في هذه الآثار، فوجدنا ذلك بعيدًا في القلوب، لأن غزوة أحد كانت في سنة ثلاثِ، وفتح مكة كان في سنة ثمانِ، ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لمن دَعَا له في صلاته قبلَ فتح مكة، فبعيدٌ في القلوبِ أن يكونَ السببان اللذان قيل إن هذه الآية نزلتْ في كل واحد منهما كانَ نزولُها فيهما جميعًا.

واحتملَ أن يكونَ نزولُها كان مرتين: مرةً في السبب الذي ذَكَرَ عبدُ الله بن عُمر، وعبدُ الرحمن بن أبي بكر: أَنَّ نزولَها كان فيه، ومرةَّ في السبب الذي ذَكَرَ أنسٌ أَنَّ نزولَها فيه، فدخل على ذلك ما نفاهُ لأنه لو كانَ ذلك كذلك لكانت موجودةً في القرآن في موضعين، كما وُجِدَت {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} الآية في موضعين: أحدهما في سورة براءة [٧٣]، والآخر في سورة التحريم [٩]، ولَمَّا لم يكنْ ذلك كذلك في الآية المَتْلُوّة في هذه الآثار، بَطَلَ هذا الاحتمال أيضًا.

واحتملَ أن يكونَ نزلتْ قُرآنًا لواحدِ من السببين المذكورين في هذه الآثار، والله أعلمُ بذلك السبب أيُّهما هو؟ ثم أُنزَلت بعدّ ذلكَ للسببِ الآخر، لا على أَنَّها قُرآن لاحقٌ لما نَزَلَ فيه من القرآن، ولكن على إعلام الله تعالى نبيَّه عليه السَّلامُ بها أنه ليسَ له من الأمر شيء، وأن الأمور إلى الله تعالى وحده، يتوب على من يشاء، ويعذب من يشاء، ولم نجد من الاحتمالات لما في هذه الآثار أحسنَ من هذه الاحتمال، فهو أولاها عندنا بما قيل في احتمال نزول الآية المتلوة فيها بها، والله نسأله التوفيق" (١).

وقال الحافظ في الفتح: "يحتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعًا فإنهما كانا في


(١) شرح مشكل الآثار ٢/ ٤٢ - ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>