ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها عَلِم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما، وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه؟.
وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم فهي واجبة في كل وقت؛ ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان، فمركب الإيمان القلب ومركب الإسلام الجوارح فهذه كلمات مختصرة في هذه المسألة لو بسطت لقام منها سفر ضخم وإنما أشير إليها إشارة" (١).
وقال في مدارج السالكين: "إن أعمال الجوارح تضاعف إلى حد معلوم محسوب وأما أعمال القلوب فلا ينتهي تضعيفها وذلك لأن أعمال الجوارح لها حد تنتهي إليه وتقف عِنْدَه فيكون جزاؤها بحسب حدها، وأما أعمال القلوب فهي دائرة متصلة وإن توارى شهود العبد لها.
مثاله: أن المحبة والرضى حال المحب الراضي لا تفارقه أصلًا، وإن توارى حكمها فصاحبها في مزيد متصل فمزيد المحب الراضي متصل بدوام هذه الحال له، فهو في مزيد ولو فترت جوارحه بل قد يكون مزيده في حال سكونه وفتوره أكثر من مزيد كثير من أهل النوافل بما لا نسبة بينهما ويبلغ ذلك بصاحبه إلى أن يكون مزيده حال نومه أكثر من مزيد كثير من أهل القيام وأكله أكثر من مزيد كثير من أهل الصيام والجوع. فإن أنكرت هذا فتأمل مزيد نائم بالله وقيام غافل عن الله،