وقال السعدي رحمه الله:"الأمور كلها وإن كانت بمشيئة الله وإرادته، فالمطالب الدينية كسؤال الرحمة والمغفرة، والمطالب الدنيوية المعينة على الدّين كسؤال العافية والرزق وتوابع ذلك قد أمر العبد أن يسألها من ربه طالبًا ملحًا جازمًا، وهذا الطلب عين العبودية ومخها، ولا يتم ذلك إلا بالطلب الجازم الذي ليس فيه تعليق بالمشيئة، لأنه مأمور به وهو خير محض لا ضرر فيه، والله تعالى لا يتعاظمه شيء.
وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين سؤال بعض المطالب المعينة التي لا يتحقق مصلحتها ومنفعتها، ولا يجزم أن حصولها خير للعبد، فالعبد يسأل ربه ويعلقه على اختيار ربه له أصلح الأمرين كالدعاء المأثور: "اللهم أحيني ... " وكدعاء الاستخارة.
فافهم هذا الفرق البديع بين طلب الأمور النافعة المعلوم نفعها وعدم ضررها وأن الداعي يجزم بطلبها ولا يعلقها، وبين طلب الأمور التي لا يدري العبد عن عواقبها، ولا رجحان نفعها على ضررها فالداعي يعلقها على اختيار ربه الذي أحاط بكل شيء علمًا" (١).
وقال ابن عثيمين رحمه الله:"والمحظور في هذا التعليق من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه يشعر بأن الله له مكره على الشيء، وأن وراءه من يستطيع أن يمنعه، فكأن الداعي بهذه الكيفية يقول: أنا لا أكرهك، إن شئت فاغفر وإن شئت فلا تغفر.
الثاني: أن قول القائل: "إن شئت" كأنه يرى أن هذا أمر عظيم على الله فقد لا يشاؤه لكونه عظيمًا عنده، ونظير ذلك أن تقول لشخص من الناس - والمثال للصورة بالصورة لا للحقيقة بالحقيقة -: أعطني مليون ريال إن شئت، فإنك إذا قلت له ذلك؛ ربما يكون الشيء عظيمًا يتثاقله، فقولك: إن شئت؛ لأجل أن تُهوِّن عليه المسألة، فالله عز وجل لا يحتاج أن تقول له: إن شئت؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "وليعظم الرغبة؛ فإن الله لا