الملوك والزعماء. فقال -رحمه الله-: "وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنهى عن الإحداد وتحذر منه إلا في حق الزوجة، فإنها تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرًا كما جاءت الرخصة عنه -صلى الله عليه وسلم- للمرأة خاصة أن تحد على قريبها ثلاثة أيام فأقل، أما ما سوى ذلك من الإحداد فهو ممنوع شرعًا، وليس في الشريعة الكاملة ما يجيزه على ملك أو زعيم أو غيرهما، وقد مات في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنه إبراهيم وبناته الثلاث وأعيان آخرون فلم يحدّ عليهم -صلى الله عليه وسلم-. وقتل في زمانه أمراء جيش مؤتة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله ابن رواحة -رضي الله عنهم- فلم يحد عليهم، ثم توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أشرف الخلق وأفضل الأنبياء وسيد ولد آدم، والمصيبة بموته أعظم المصائب، ولم يحدّ عليه الصحابة -رضي الله عنهم-، ثم مات أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وهو أفضل الصحابة وأشرف الخلق بعد الأنبياء فلم يحدوا عليه، ثم قتل عمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء وبعد أبي بكر الصديق فلم يحدوا عليهم.
وهكذا مات الصحابة جميعًا فلم يحد عليهم التابعون، وهكذا مات أئمة الإسلام وأئمة الهدى من علماء التابعين ومن بعدهم؛ كسعيد بن المسيب وعلي ابن الحسين زين العابدين وابنه محمد بن علي وعمر بن عبد العزيز والزهري والإمام أبي حنيفة، وصاحبيه، والإمام مالك بن أنس والأوزاعي والثوري والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة العلم والهدى فلم يحد عليهم المسلمون. ولو كان خيرًا لكان السلف الصالح إليه أسبق، والخير كله في اتباعهم والشر كله في مخالفتهم.
وقد دلت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي أسلفنا ذكرها على أن ما فعله سلفنا الصالح من ترك الإحداد على غير الأزواج هو الحق والصواب، وأن ما يفعله الناس اليوم من الإحداد على الملوك والزعماء أمر مخالف للشريعة المطهرة مع ما يترتب عليه