ولكنه تعمد ذلك، ليلفت النظر إلى أن ها هنا شيئًا ينبغي النظر فيه، والعلماء إنما يفعلون ذلك لأسباب منها: أنهم قد لا يحضرهم ترجمة بعض الرواة، فلا يستجيزون لأنفسهم حذف السند كله، لما فيه من إيهام صحته لا سيما عند الاستدلال به، بل يوردون منه ما فيه موضع للنظر فيه، وهذا هو الذي صنعه الحافظ رحمه الله هنا، وكأنه يشير إلى تفرد أبي صالح السمان عن مالك الدار كما سبق نقله عن ابن أبي حاتم، وهو يحيل بذلك إلى وجوب التثبت من حال مالك أو يشير إلى جهالته. والله أعلم.
الثاني: أنها مخالفة لما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء لاستنزال الغيث من السماء، كما ورد ذلك في أحاديث كثيرة، وأخذ به جماهير الأئمة، بل هي مخالفة لما أفادته الآية من الدعاء والاستغفار، وهي قوله تعالى في سورة نوح: {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١)} [نوح: ١٠ - ١١] وهذا ما فعله عمر بن الخطاب حين استسقى وتوسل بدعاء العباس كما سبق بيانه، وهكذا كانت عادة السلف الصالح كلما أصابهم القحط أن يصلوا ويدعوا، ولم ينقل عن أحد منهم مطلقًا أنه التجأ إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وطلب منه الدعاء للسقيا، ولو كان ذلك مشروعًا لفعلوه ولو مرة واحدة، فإذ لم يفعلوه دل ذلك على عدم مشروعية ما جاء في القصة.
الثالث: هب أن القصة صحيحة، فلا حجة فيها، لأن مدارها على رجل لم يسم، فهو مجهول أيضًا، وتسميته بلالًا في رواية سيف لا يساوي شيئًا، لأن سيفًا هذا -وهو ابن عمر التميمي- متفق على ضعفه عند المحدثين، بل قال ابن حبان فيه:"يروي الموضوعات عن الأثبات، وقالوا: إنه كان يضع الحديث". فمن كان هذا شأنه لا تقبل روايته ولا كرامة، لا سيما عند المخالفة.