للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك قال البخاري في خلق أفعال العباد (١)؛ ودليلهم أن الاستعاذة عبادة وذكر بعض العلماء الإجماع على أنه لا يجوز الاستعاذة بغير الله (٢)، فإن كان المراد من كلامهم منع الاستعاذة بالمخلوق مطلقًا. فالصحيح ما تقدم من جواز الاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه، أما ما ذكر من إجماع العلماء فمحمول على أن يفعل على وجه التعبد أو أن يكون المستعاذ منه لا يقدر على دفعه إلا الله، أو أن تكون الاستعاذة بأصحاب القبور ونحوه (٣). ولكن يراعى ما يقوم في قلب العبد من الاضطرار لهذا المستعاذ به وتعلق قلبه به، قال الشيخ ابن عثيمين: "لكن تعليق القلب بالمخلوق لا شك أنه من الشرك، فإذا علقت قلبك ورجاءك وخوفك وجميع أمورك بشخص معين، وجعلته ملجأ؛ فهذا شرك، لأن هذا لا يكون إلا لله" (٤).

قال الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله -: "لكن هل مقصوده بقوله: "باب من الشرك الاستعاذة بغير الله" (٥) شمول هذا الحكم على فاعله بالشرك، لكل أنواع الاستعاذة، ولو كان فيما يقدر عليه المخلوق؟ والجواب: أن هذا فيه تفصيل، فمن العلماء من يقول: الاستعاذة لا تصلح إلا بالله، وليس ثم استعاذة بمخلوق فيما يقدر عليه؛ لأن الاستعاذة توجه القلب، واعتصامه، والتجاؤه، ورغبه، وهذه المعاني جميعًا لا تصلح إلا لله - جل وعلا -.

وقال آخرون: قد جاءت أدلة بأنه يستعاذ بالمخلوق فيما يقدر عليه؛ لأن حقيقة الاستعاذة: طلب انكفاف الشر، وطلب العياذ، وهو: أن يستعيذ من شر أحْدَقَ به،


(١) خلق أفعال العباد ص ٨٩.
(٢) فتح المجيد ص ١٨٨.
(٣) مجموع فتاوى ابن عثيمين ٩/ ٢٤٩، ٢٥٠. وانظر القول المفيد ط ١ - ١/ ٣٣٠. وانظر للاستزادة: الاقتضاء ٢/ ٧٩٧، ومجموع فتاوى ابنِ تَيمِيَّةَ ١/ ٣٣٦، وقرة عيون الموحدين ص ٨١.
(٤) مجموع فتاوى ابن عثيمين ٩/ ٢٥٠.
(٥) يقصد به الباب الثالث عشر من كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -.

<<  <  ج: ص:  >  >>