أحدها: أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفا من الرياء بل يؤمر بها وبالإخلاص فيها ونحن إذا رأينا من يفعلها أقررناه وإن جزمنا أنه يفعلها رياء. فالمنافقون الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)} [النساء: ١٤٢]، فهؤلاء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين وإن كانوا مرائين ولا ينهونهم عن الظاهر لأن الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهار رياء كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس.
الثاني: لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم" وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: من أظهر لنا خيرا أحببناه وواليناه عليه وإن كانت سريرته بخلاف ذلك، ومن أظهر لنا شرًا أبغضناه عليه وإن زعم أن سريرته صالحة".
الثالث: أن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمرًا مشروعًا مسنونًا قالوا هذا مراء فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة حذرًا من لمزهم وذمهم فيتعطل الخير ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر ولا أحد ينكر عليهم وهذا من أعظم المفاسد.
الرابع: أن مثل هذا من شعائر المنافقين وهو يطعن علي من يظهر الأعمال المشروعة قال تعالى: {(٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٩)} [التوبة: ٧٩]، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حض على الإنفاق عام تبوك جاء بعض