للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ذكره من صنف في الملل أن أصل الزنادقة أتباع ديصان ثم ماني ثم مزدك الأول وحاصل مقالتهم أن النور والظلمة قديمان وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما، فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة ومن كان من أهل الخير فهو من النور، وأنه يجب السعي في تخليص النور من الظلمة فيلزم إزهاق كل نفس، وإلى ذلك أشار المتنبي حيث قال في قصيدته المشهورة:

وكم لظلامِ الليلِ عندكَ من يدٍ ... تُخَبِّرُ أن المانويةَ تكذبُ

وكان بهرام جد كسرى تحيل على مانى حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل أصحابه وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور وقام الإسلامُ والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك، وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل" (١).

وفي العصر الإسلامي أطلقت هذه الكلمة على كل من أسرَّ الكفر وأظهر الإسلام، وبذا عرّف الإمام أحمد الزنديق في كتابه "الرد على الزنادقة". وقد أطلقت هذه الكلمة على الجهمية والمعتزلة أيضًا وقد أثر عن الإمام أحمد ما يفيد هذا (٢).

وكذا تطلق هذه الكلمة على الملاحدة المنكرين وجود الله عز وجل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمقصود هنا أن الزنديق في عرف هؤلاء الفقهاء، هو المنافق الذي كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره، سواء أبطن دينا من الأديان كدين اليهود والنصارى أو غيرهم. أو كان معطلا جاحدًا للصانع، والمعاد والأعمال الصالحة.

ومن الناس من يقول: الزنديق هو الجاحد المعطل، وهذا يسمى الزنديق في اصطلاح كثير من أهل الكلام والعامة، ونقلة مقالات الناس، ولكن الزنديق الذي


(١) فتح الباري ١٢/ ٢٧٠ - ٢٧١.
(٢) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص ١٨٥، مجموع الفتاوى ٧/ ٤٧١، والإيمان لابن تيمية ص ٢٠٣، المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة ١/ ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>