للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأخرى لا تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته هو قول مالك والليث وإسحاق وعن أبي حنيفة روايتان كهاتين وأخبار أبو بكر أنه لا تقبل توبة الزنديق لقول الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: ١٦٠] والزنديق لا تظهر منه علامة تبين رجوعه وتوبته لأنه كان مظهرًا للإسلام مسرًّا للكفر فإذا وقف على ذلك فأظهر التوبة لم يزد على ما كان منه قبلها وهو إظهار الإسلام" (١).

وقال أيضًا: "وقول أصحابنا لا تقبل توبة الزنديق معناه لا يسقط عنه القتل الذي توجه عليه لعدم علمنا بحقيقة توبته؛ لأن أكثر ما فيه أنه أظهر إيمانه وقد كان دهره يظهر إيمانه ويستر كفره فأما عند الله عز وجل فإنها تصح إذا علم منه حقيقة الإنابة وصدق التوبة واعتقاد الحق" (٢).

وأما من تكررت ردته فقد قال تعالى: {(١٣٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧)} [النساء: ١٣٧].

وفي الجملة: فالخلاف بين الأئمة في قبول توبته في الظاهر من أحكام الدنيا من ترك قتله وثبوت أحكام الإسلام في حقهم، وأما قبول الله تعالى لها في الباطن وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهرًا أو باطنًا فلا خلاف فيه فإن الله تعالى قال في المنافقين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ١٤٦].

قال شيخ الإسلام: "لكن العلماء لهم قولان في الزنديق إذ أظهر التوبة: هل تقبل توبته فلا يقتل؟ أم يقتل؛ لأنه لا يعلم صدقه؛ فإنه ما زال يظهر ذلك؟ فأفتى طائفة بأنه يُستتاب فلا يُقتل، وأفتى الأكثرون بأنه يُقتل وإن أظهر التوبة، فإن كان


(١) المغني ٩/ ١٨.
(٢) المغني ٢/ ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>