للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لخصوص السَّبِّ؟ أو لهما معا؟ ... ولا شك أن الردة موجبة للقتل بالإجماع والنصوص، وخصوصُ السبِّ موجبٌ للقتل بحديث: "من سب نبيا فاقتلوه" ويترتب الحكم على الأذى وبترتيب الحكم علي خصوص الوصف يشعر بأنه هو العِلّة، وقد وُجِد في السابّ المسلم المعنيان جميعًا، أعني: الردة والسب فيكون اجتمع علي قتله علتان، كل منهما موجبة للقتل، والقتلَ حدٌّ لكل منهما، وقد تجتمع عِلّتان شرعيتان علي معلول واحد؛ ولهذا البحث أثر يظهرُ فيما إذا صدر السَّبُّ من كافر فإنه انفرد فيه السبُّ عن الارتداد وفيما إذا تاب السابُّ وأسلم" (١).

وهذا الإجماع الذي نقلناه عن العلماء منصوص في قتل الساب سواء كان مسلمًا أو ذميًا. إلا أن أبا حنيفة وأصحابه خالفوا الإجماع في قتل الذمي وانتقاض عهده بالسب (٢). وذكروا أن ما هم عليه من الشرك أعظم. وقولهم مردود؛ لأنه مخالف للنص والإجماع. أما الإجماع فقد تقدم ذكره وأما النص فقد ثبت في سنن أبي داود عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقَعُ فِيهِ فَيَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي وَيَزْجُرُهَا فَلا تَنزجِرُ قَالَ فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَشْتُمُهُ فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: "أَنْشُدُ الله رَجُلا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ" فَقَامَ الأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: يَا رَسُولَ الله أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلا تَنتهِي وَأَزْجُرُهَا فَلا تَنزجِرُ وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ


(١) السيف المسلول ص ١٥٤، ١٥٥ وانظر أحكام الذمة لابن القيم ٢/ ٣٠، ٨٩٠. مسائل الإمام أحمد ٢/ ٩٦ - ٩٧.
(٢) عمدة القارئ للعيني ٤/ ٨٢ ومختصر الطحاوي ٢٦٢ وفتح القدير مع الهداية ٦/ ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>