وقد قيل في قوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ [النساء: ٩٢] نحو هذا، وإنما هو عند المحققين استثناء من غير الجنس بمعنى لكن. قال القاضي ﵀: وهذا غير مضطر إليه إذ معنى الحديث على لفظه وصحة الاستثناء على ظاهره صحيح بَيِّنْ وأولى مما ذكر وأصح، وإنما المقصود بالحديث التمثيل لعدم النقص إذ ما نقصه العصفور من البحر لا يظهر لرائيه فكأنه لم ينقص منه فكذلك هذا من علم الله، أو يكون راجعًا إلى المعلومات أي أن ما علمت أنا وأنت من جملة المعلومات لله التي لم يُطلع عليها، في التقدير والتمثيل للقلة والكثرة كهذه النقطة من هذا البحر، وذكر النقص هنا مجاز، على كل وجه محال في علم الله تعالى ومعلوماته في حقه، وإنما يتقدر في حقنا، ويدل على هذا قوله في الرواية الأخرى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره. وكذلك قوله: لن تمسه النار إلا تحلة
القسم. محمول على الاستثناء عند الأكثر وعبارة عن القلة عند بعضهم على ما نفسره في حرف الحاء، وقد يحتمل أن يكون إلا هنا بمعنى ولا على ما تقدم أي ولا مقدار تحلة القسم.
في العزل: ما عليكم ألَّا تفعلوا بفتح الهمزة مشدد، قال غير واحد: هي إباحة معناه: اعزلوا، أي لا بأس أن تعزلوا، قال المبرد: معناه لا بأس عليكم، ولا الثانية للطرح، وقال الحسن في كتاب مسلم: كان هذا زجرًا، وقال ابن سيرين: لا عليكم أقرب إلى النهي.
في حديث: من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة قوله: لا تخبرنا يا رسول الله. كذا ليحيى وابن القاسم وأكثر الرواة على النهي، وعند القعنبي وابن بكير ومطرف ومن وافقهم من رواة الموطأ: ألا تخبرنا. على معنى العرض والجواب محذوف لدلالة الكلام عليه، أي فنمتثل ذلك أو ننتهي، وعلى الوجه الأول يحتمل ما قيل: إنه كان منافقًا، ويحتمل أنه قال ذلك لئلا يتكلوا على ذلك ويتركوا ما عداه، كما جاء في حديث آخر بمعناه، وقيل: يحتمل أن قصد القائل لذلك ليتركهم لاستنباطه وتفسيره من قبل أنفسهم على طريق اختبار معرفتهم وقرائحهم، وقال ابن حبيب: خوف أن يثقل عليهم إذا أخبرهم الاحتراس منها ورجاء أن يوفقوا للعمل بها من قبل أنفسهم.
قوله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي. قال الطحاوي: هو استثناء منقطع معناه: لكن الصيام لي إذ ليس بعمل فيستثنى من العمل المذكور، وكذلك قال غير واحد: إنه ليس بعمل وإنما هو من فعل التروك وهذا غير سديد، وهو عمل بالحقيقة من أعمال القلوب وإمساك الجوارح عما نهيت عنه فيه، وأما قوله: فإنه لي. قيل: لكونه من الأعمال الخفية الخالصة أي خالص لا يدخله سمعة ولا رياء إذ لا يطلع عليه غالبًا بخلاف غيره من الأعمال، والأظهر في هذا الحديث أنه أشار إلى معرفة الأجور وأن أجور عمل ابن آدم له معلومة مقدرة كما قال آخر الحديث: الحسنة بعشر إلى سبع مائة إلا الصوم فأجره غير مقدر، وإنما ذلك إلى الله تعالى يوفيه بغير حساب.
في المنحة: أَلَا رجل يمنح أهل بيت ناقة، بفتح الهمزة وتخفيف اللام على استفتاح الكلام، وعند الجلودي رجل بالضم. وفي حديث الغار: أَلَا برَّكت بالتخفيف عند شيوخنا على العرض والتحضيض واللوم، ورواه بعضهم بتشديد اللام بمعنى هلا التي
للوم، وقد تأتي للعرض والتحضيض أيضًا.
وفي باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، فقال له ابن عباس: ألا تستلم هذين الركنين. بالتخفيف كذا للجرجاني، ولغيره: أنه لا يستلم. على