للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يسمى الكثير من المسكر حتى يسكر فكان يجب أن يحلوه، وهذا خارج عن قول الجميع.

وقالوا: معنى "كل مسكر حرام" على القدح الذي يسكر (١)، وهذا خطأ من جهة اللغة وكلام العرب؛ لأن كلا معناها العموم، فالقدح الذي يسكر مسكر والجنس كله مسكر، وقد حرم الشارع الكل ولا يجوز الاختصاص إلا بتوقيف، وشبه بعضهم هذا بالدواء والبنج (٢) الذي يحرم كثيره ويحل قليله، وهذا تشبيه بعيد؛ لأنه - عليه السلام - قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" فالمسكر هو الجنس الذي قال الله فيه: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ} الآية [المائدة: ٩١] وليس هذا في الدواء والبنج وإنما

هذا في كل شراب هو هكذا، وعارضوا بأن قالوا: فليس ما أسكر كثيره بمنزلة الخمر في كل أحواله وهذِه مغالطة وتمويه على المنافع؛ لأنه لا يجب من هذا إباحة، وقد علمنا أنه ليس من قتل مسلمًا غير نبي بمنزلة من قتل نبيًا، فليس يجب إذا لم يكن بمنزلته في جميع الأحوال أن يكون مباحًا، كذا من شرب ما أسكر كثيره وإن لم يكن بمنزلة من شرب عصير العنب الذي قد نش فليس يجب من هذا أن يستباح له ما قد شرب ولكنه بمنزلته في أنه قد شرب محرمًا وشرب خمرًا، وأنه يحد في القليل منه كما يحد في القليل من الخمر، وهذا قول من لا يدفع قوله، منهم عمر وعلي.

ومعنى: "كل مسكر خمر" يجوز أن يكون بمنزلته في التحريم، وأن يكون المسكر كله يسمى خمرًا كما سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذكرنا من الصحابة والتابعين بالأسانيد الصحيحة، والعجب من معارضتهم بما


(١) انظر: "مختصر الطحاوي" ص ٢٧٨، "فتح القدير" لابن الهمام ٥/ ٣١٣.
(٢) قال في "اللسان" ٢/ ٢١٦: والبنج ضرب من النبات.

<<  <  ج: ص:  >  >>