للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"يشرب قوم الخمر يسمونها بغير اسمها" (١) فلم يزل الذين يروون هذِه الأحاديث يحملونها على هذا عصرًا بعد عصر، حتى عرض فيها قوم فقالوا: المحرم الشربة الأخيرة التي تسكر (٢).

وقالوا: قد قالت اللغة: الخمر المشبع والماء المروي، فإن صح هذا في اللغة فهو عليهم لا لهم؛ لأنه لا يخلو أن يكون من أحد جهتين: إما أن يكون معناه للجنس كله، أي صفة ذلك كذلك فيكون هذا القليل الخمر وكثيره؛ لأنه جنس فكذا قليل ما يسكر، أو يكون الخمر المشبع فهو لا يشبع إلا بما كان قبله وكله مشبع، فكذا قليل المسكر وكثيره، وإن كانوا قد تأولوه على أن معنى المشبع هو الآخر الذي يشبع وكذا الماء الذي يروي.

فيقال لهم: ما حد ذلك الماء المروي والماء الذي لا يروي؟ فإن قالوا: لا حد له فهو كله إذن مروي، إن حدوه قيل لهم: ما البرهان على ذلك وهل يمتنع الذي لا يروي مما حددتموه أن يكون يروي عصفورًا وما أشبهه؟ فبطل الحد، وصار القليل مما يسكر كثيره داخل في التحري.

وعارضوا بأن المسكر بمنزلة القاتل لا يسمى مسكرًا حتى يسكر، كما لا يسمى القاتل قاتلًا حتى يقتل (٣). وهذا لا يشبه من هذا شيئًا؛ لأن المسكر جنس وليس كذا القاتل، ولو كان كما قالوا لوجب أن


(١) "السنن الكبرى" للبيهقي ٨/ ٢٩٥ - ٢٩٦، والدارمي في "مسنده" ٢/ ١٣٣٣ (١٢٤٥) وأشار ابن حجر في "الفتح" ١٠/ ٥٢ إلى رواية الدارمي وليَّن إسناده.
(٢) انظر: "مختصر الطحاوي" ص ٢٧٨، "أحكام القرآن" للجصاص ٢/ ٤٦٣ - ٤٦٤، "تبيين الحقائق" ٦/ ٤٧.
(٣) انظر: "التمهيد" ١/ ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>