للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك قول عمر لأبي عبيدة - رضي الله عنهما - وقد قال أبو عبيدة لعمر: أتفر من قدر الله - يعني من الطاعون -؟ قال: أفر من قدر الله إلى قدر الله" (١).

والطرف الثاني: غلاة أثبتوا تأثير الأسباب، لكنهم غلوا في ذلك وجعلوها مؤثرة بذاتها، وهؤلاء وقعوا في الشرك، حيث أثبتوا موجدًا مع الله تعالى، وخالفوا السمع والحس. فقد دل الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة على أنه لا خالق إلا الله، كما أننا نعلم بالشاهد المحسوس أن الأسباب قد تتخلف عنها مسبباتها بإذن الله، كما في تخلف إحراق النار لإبراهيم الخليل حين ألقي فيها فقال الله تعالى: {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩]، فكانت بردًا وسلامًا عليه ولم يحترق بها (٢).

قال الإمام ابن القيم: "فالالتفات إلى الأسباب ضربان:

أحدهما شرك، والآخر عبودية وتوحيد.

فالشرك أن يعتمد عليها ويطمئن إليها ويعتقد أنها بذاتها محصلة للمقصود، فهو معرض عن المسبب لها ويجعل نظره والتفاته مقصورا عليها، وأما إن التفت إليها التفات امتثال وقيام بها وأداء لحق العبودية فيها وإنزالها منازلها فهذا الالتفات عبودية وتوحيد إذ لم يشغله عن الالتفات إلى المسبب، وأما محوها أن تكون أسبابًا فقدحٌ في العقل والحسن والفطرة، فإن أعرض عنها بالكلية كان ذلك قدحًا في الشرع وإبطالًا له.

وحقيقة التوكل: القيام بالأسباب، والاعتماد بالقلب على المسبب، واعتقاد أنها بيده، فإن شاء منعها اقتضاءها، وإن شاء جعلها مقتضية لضد أحكمها، وإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه" (٣).


(١) مدارج السالكين ٣/ ٤٩٦، ٤٩٧.
(٢) تقريب التدمرية من مجموع فتاوى ابن عثيمين ٤/ ٢٠٧.
(٣) مدارج السالكين ٣/ ٤٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>