للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد بين الإمام ابن تيمية ضلال من أنكر الأسباب وشرك من جعلها هي المبدِعة قال رحمه الله: "ومن قال إنه يفعل عندها لا بها فقد خالف ما جاء به القرآن وأنكر ما خلقه الله من القوى والطبائع وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى التى في الحيوان التى يفعل الحيوان بها مثل قدرة العبد كما أن من جعلها هي المبدعة لذلك فقد أشرك بالله، وأضاف فعله إلى غيره وذلك أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه، ولابد من مانع يمنع مقتضاه إذا لم يدفعه الله عنه فليس في الوجود شيء واحد يستقل بفعل شئ إذا شاء إلا الله وحده قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: ٤٩] أي فتعلمون أن خالق الأزواج واحد" (١).

وأما الوسط: فهم الذين هُدوا إلى الحق وتوسطوا بين الفريقين وأخذوا بما مع كل واحد منهما من الحق، فأثبتوا للأسباب تأثيرًا في مسبباتها لكن لا بذاتها بل بما أودعه الله تعالى: فيها من القوى الموجبة.

وهؤلاء هم الطائفة الوسط الذين وفقوا للصواب وجمعوا بين المنقول والمعقول، والمحسوس، وإذا كان القدر لا ينافي الأسباب الكونية والشرعية فهو لا ينافي أن يكون للعبد إرادة وقدرة يكون بهما فعله، فهو مريد قادر فاعل لقوله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢]، وقوله: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم: ٢٥]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}.

لكنه غير مستقل بإرادته وقدرته وفعله، كما لا تستقل الأسباب بالتأثير في مسبباتها لقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ


(١) مجموع الفتاوى ٣/ ١١٢، وانظر ٨/ ١٧٥، ٤٣٠، ٣٥/ ١٦٨، وانظر التدمرية ص ٢١٠، ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>