الْعَالَمِينَ}، ولأن إرادته، وقدرته، وفعله من صفاته وهو مخلوق فتكون هذه الصفات مخلوقة أيضًا، لأن الصفات تابعة للموصوف فخالق الأعيان خالق لأوصافها (١).
قال الإمام ابن القيم:"فالموحد المتوكل لا يلتفت إلى الأسباب بمعنى أنه لا يطمئن إليها ولا يرجوها ولا يخافها فلا يركن إليها ولا يلتفت إليها بمعنى أنه لا يسقطها ولا يهملها ويلغيها بل يكون قائما بها ملتفتا إليها ناظرا إلى مسببها سبحانه ومجريها فلا يصح التوكل شرعًا وعقلًا إلا عليه سبحانه وحده فإنه ليس في الوجود سبب تام موجب إلا مشيئته وحده فهو الذي سبب الأسباب وجعل فيها القوى والاقتضاء لآثارها ولم يجعل منها سببًا يقتضي وحده أثره بل لابد معه من سبب آخر يشاركه وجعل لها أسبابًا تضادها وتمانعها بخلاف مشيئته سبحانه فإنها لا تحتاج إلى أمر آخر ولا في الأسباب الحادثة ما يبطلها ويضادها وإن كان الله سبحانه قد يبطل حكم مشيئته بمشيئته فيشاء الأمر ثم يشاء ما يضاده ويمنع حصوله والجميع بمشيئته واختياره فلا يصح التوكل إلا عليه ولا الالتجاء إلا إليه ولا الخوف إلا منه ولا الرجاء إلا له ولا الطمع إلا في رحمته كما قال أعرف الخلق به: "أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوز بك منك" وقال: "لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك"، فإذا جمعت بين هذا التوحيد وبين إثبات الأسباب استقام قلبك على السير إلى الله ووضح لك الطريق الأعظم الذي مضى عليه جميع رسل الله وأنبيائه وأتباعهم وهو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم وبالله التوفيق، وما سبق به علم الله وحكمه حق وهو لا ينافي إثبات الأسباب ولا يقتضي إسقاطها، فإنه سبحانه قد علم وحكم أن كذا وكذا
(١) تقريب التدمرية من مجموع فتاوى ابن عثيمين ٤/ ٢٠٧، ٢٠٨.