يحدث بسبب كذا وكذا فسبق العلم والحكم بحصوله عن سببه فإسقاط الأسباب خلاف موجب علمه وحكمه فمن نظر إلى الحدوث بغير الأسباب لم يكن نظره وشهوده مطابقًا للحق بل كان شهوده غيبة ونظره عمى، فإذا كان علم الله قد سبق بحدوث الأشياء بأسبابها فكيف يشهد العبد الأمور بخلاف ما هي عليه في علمه وحكمه وخلقه وأمره، والعلل التي تتقى في الأسباب نوعان:
أحدهما: الاعتماد عليها والتوكل عليها والثقة بها ورجاؤها وخوفها فهذا شرك يرق ويغلظ وبين ذلك.
الثاني: ترك ما أمر الله به من الأسباب، وهذا أيضًا قد يكون كفرًا وظلمًا وبين ذلك بل على العبد أن يفعل ما أمره الله به من الأمر ويتوكل على الله توكل من يعتقد أن الأمر كله بمشيئة الله سبق به علمه وحكمه، وأن السبب لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، ولا يقضي ولا يحكم ولا يحصل للعبد ما لم تسبق له به المشيئة الإلهية، ولا يصرف عنه ما سبق به الحكم والعلم، فيأتي بالأسباب إتيان من لا يرى النجاة والفلاح والوصول إلا بها، ويتوكل على الله توكل من يرى أنها لا تنجيه ولا تحصل له فلاحًا ولا توصله إلى المقصود، فيجرد عزمه للقيام بها حرصًا واجتهادًا ويفرغ قلبه من الاعتماد عليها والركون إليها تجريدًا للتوكل واعتمادًا على الله وحده، وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين هذين الأصلين في الحديث الصحيح حيث يقول:"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز" فأمره بالحرص على الأسباب والاستعانة بالمسبب ونهاه عن العجز وهو نوعان: تقصير في الأسباب وعدم الحرص عليها، وتقصير في الاستعانة بالله وترك تجريدها. فالدين كله ظاهره وباطنه شرائعه وحقائقه تحت هذه الكلمات النبوية والله أعلم" (١).